Friday, September 01, 2006

التسول في الأردن بين استدرار العطف.. الدعارة... والمخدرات

التنمية الاجتماعية:75% من المتسولين "أغنياء"


مع بدء فصل الصيف وقدوم السياح، يجد الكثيرون في التسول مهنة سهلة ومدرة للربح... علا الفرواتي رافقت إحدى فرق مكافحة التسول التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية لتكتشف أن كثيرا من المتسولين أغنياء فقدوا الكرامة والتعفف...

الإشارة الضوئية على الشارع الذي يفصل بين الصويفية وعبدون حمراء. تتقدم طفلة لا يتجاوز عمرها سبع سنوات وترفع قامتها لتصل إلى شباك سيارة مرسيدس يقودها شاب تجلس بجانبه فتاة.
تمد الطفلة يدها وتقول باستجداء:"أعطيني شلن." ويصرخ الشاب عليها بصوت عال:"اذهبي من هنا." ولكن الطفلة التي لوحت أشعة الشمس بشرتها بوضوح لا تبدو راغبة بالذهاب دون الحصول على ما أرادت. ويأتي الفرج على يد الفتاة الجالسة بجانب السائق والتي نهرته بقولها:"حرام عليك... انظر كم تبدو فقيرة."
وعلى مضض، يمد الشاب يده إلى محفظته ويخرج دينارا يعطيه إلى الطفلة المتسولة ويصرخ في وجهها:"روحي عالبيت."
وركضت الطفلة، التي كانت ترتدي ملابس ممزقة وعجزت مهنتها في التسول عن شراء حذاء لها، فرحة بغنيمتها نحو سيارة أخرى واستجدت سائقتها لتعطيها نقودا تشتري فيها "سندويشة" لأنها "لم تأكل منذ يومين." لكن محاولتها فشلت بسبب تحول الإشارة الضوئية إلى خضراء فاضطرت للركض إلى الرصيف لتنتظر الإشارة الحمراء التي تمكنها من متابعة "عملها" غير متأثرة بالنهر والصراخ وضياع الفرص.
وعلى إشارة الصناعة، تجول أربعة أولاد سمر يرتدون طاقيات تقيهم أشعة شمس الظهيرة بين السيارات وطلبوا من عدة سائقين شراء محصولهم من "الفقوس" الذي بدا ذابلا وقديما قبل أن يلحظ احد هؤلاء الأطفال حافلة وزارة التنمية الاجتماعية والتي رافقتها مجلة أنت. وبمجرد رؤيته للحافلة صرخ الولد الذي لا يتجاوز عمره السبعة عشر عاما "كبسة" وبدأ بالركض نحو الأرض الفارغة على يسار الإشارة. وركض باقي الأولاد وراء أخيهم الأكبر وطارت قبعة أصغرهم وأسرعهم ليتبين ان من يركض هي طفلة عمرها نحو ثماني سنوات لم تفلح سرعتها وخلعها لحذائها أثناء الركض من أن يمسك بها مراقب السلوك التابع لوزارة التنمية الذي استطاع جرها إلى الحافلة.
وبمجرد صعودها إلى الحافلة بدأت الطفلة المذعورة باستجداء عطف مراقبي السلوك، فيما كان إخوانها يصرخون ويهددون برجم الحافلة بحجارة كبيرة جمعوها من الشارع.
وتبين بعد سؤال الطفلة وإخوانها الغاضبين أنهم يعملون في بيع "الفقوس" الذي ادعوا ان والدهم يحضره من السلط.
وقال أكبرهم الذي سمى نفسه "محمد":"أحضرنا والدي أنا وإخوتي إلى هنا في الصباح وذهب إلى البيت. أنا أبيع الفقوس حتى أعيش... البيع على الإشارة الضوئية أفضل من السرقة." وقام بعد ذلك بالاتصال بوالده من هاتف خلوي كان بحوزته وأخبره باقتضاب ان "التنمية تلاحقهم."



ويوضح مسؤول برنامج مكافحة التسول والتشرد في وزارة التنمية الاجتماعية خالد الرواشدة أن بيع السلع البسيطة والرخيصة يعتبر نوعا من أنواع التسول الذي يعاقب عليه القانون حيث أن المتسولين يتسترون تحت غطاء بيع هذه السلع لاعتقادهم ان هذه الطريقة تحميهم من العقاب القانوني، ولاستخدام هذه السلع في استدرار عطف الناس الذين يصدقون ان هذه طريقة "مشروعة وكريمة" لكسب العيش.وتعرف الوزارة التسول بأنه القيام بأعمال الاستجداء وطلب الصدقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باستخدام وسائل وطرق خفية أو ظاهرة.
ويضيف الرواشدة:"المشكلة هي أن الناس يشجعون سلوك التسول الظاهر أو الخفي ولا يعرفون أن 75 بالمائة من المتسولين وبائعي الإشارات أغنياء عن الاستجداء ويزيد دخلهم عن خط الفقر ويمتلك معظمهم منازلا، سيارات ومصادر دخل ثابتة."
ويشير:"الفقر لا يعتبر الدافع الرئيسي للتسول لأن المتسولين والذي يتبين بعد القبض عليهم أن دافعهم للتسول هو الفقر لا يعودون إلى ممارسة الاستجداء وخاصة بعد أن يخصص لهم معونة شهرية من صندوق المعونة الوطنية."


التسول بوابة للمخدرات والدعارة

وتمتد الآثار السلبية للتسول إلى أبعد من كونه ممارسة غير حضارية تسرق الأطفال من المدارس والمتنزهات وتزعج المواطنين والسائحين ليصبح بيئة خصبة لاستغلال الأطفال ونمو عصابات الدعارة وبيع المخدرات. ويذكر الرواشدة حالة عصابة من سبعة أشخاص من عائلتين تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاما تستروا تحت غطاء التسول وبيع السلع الرخيصة على إشارة ضاحية الحسين لبيع عدة أنواع من المخدرات والترويج لفتيات يمارسن الدعارة.
"بعد المراقبة الحثيثة تم القبض على هذه العصابة وأودعوا مراكز الأحداث والسجون بعد أن مارسوا "التسول المستتر" لفترات طويلة."
وفي العاصمة، تنتشر ظاهرة التسول في عمان الغربية بنسبة 95 بالمائة و5 بالمائة في باقي مناطق عمان. ويوضح الرواشدة أن ذلك ينبع من كون قاطنيها "بشكل عام أغنى" ويعيش فيها المغتربون والسائحون والذين عادة ما يعطون المتسولين بسخاء.
ويضيف:"ولاحظنا أيضا أن إعطاء المتسولين نقودا في كثير من الأحيان لا يكون بدافع المساعدة بل للتخلص منهم حيث أن الشحاذين يستخدمون أساليب مضايقة مثل الطرق على الزجاج أو رفض الابتعاد خاصة ان مظهرهم يكون مزعجا وهيئتهم متسخة ورثة. كما أن الكثيرين منهم يبصقون على الناس أو يشتموهم في حال رفضوا إعطاءهم ما يريدون."

التسول "مهنة مربحة"

ويلاحظ انه ورغم إيداع المتسولين عدة مرات في مراكز التأهيل أو السجون فإنهم لا يلبثون بعد انتهاء مدة احتجازهم بالعودة إلى "مهنتهم". ولا يرجع الرواشدة ذلك إلى ضعف التأهيل بل إلى كون التسول "مهنة سهلة ومربحة في ذات الوقت."
وبحسب الرواشدة فان الدخل المالي المرتفع المتأتي من التسول يدفع المتسولين إلى اتخاذ الاستجداء و "الشحدة" مهنة ثابتة يعيشون منها ويدفعون أولادهم إليها.
ويتم إرسال الأطفال الذين يتم القبض عليهم إلى دور رعاية خاصة بالوزارة، حيث تجرى لهم دراسة حالة قبل تحديد نوع الإجراء الذي سيتخذ فيهم. ويوجد في المملكة خمس دور رعاية، ثلاثة "للذكور"، واثنتان "للإناث". وتعنى هذه الدور الخمس بتوفير الرعاية لجميع الأطفال الذين يتم القبض عليهم في جميع أنحاء الأردن، وتأهيلهم للمشاركة في تنمية المجتمع واقتصاده.
ولكن المشكلة الرئيسية بحسب الرواشدة تكمن في الإجراءات القانونية غير الرادعة حيث يجب تعديل المادة 389 من قانون العقوبات وتشديد عقوبة التسول بحيث تكون كفيلة بإبعاد المتسولين عن الشوارع.

وبحسب دراسة أجرتها دائرة مكافحة التسول لـ 235 متسولا قبض عليهم في شهر رمضان من عام 2004 فان 110 من الحالات تبين ان لديهم دخلا من أكثر من مصدر وان 50 حالة يتقاضون رواتب من صدوق المعونة الوطنية فيما وجد ان 75 حالة يتقاضون رواتب تقاعدية من مؤسسة الضمان الاجتماعي أو الجيش وثبت أن 100 منهم ليس لديهم دخل.

وبحسب دراسة إحصائية أخرى للدائرة فان هناك أعدادا لا يستهان بها من المتسولين "المتكررين" أي الذين قبض ليهم عدة مرات. ففي الفترة ما بين عامي 1990 و 2004 تبين على سبيل المثال ان هناك 50 متسولا قبض عليهم 45 مرة و 75 متسولا قبض عليهم 35 مرة.
وتشير إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية إلى أن أعداد المتسولين الذين قبض عليهم عام 2000 كان 940 متسولا ارتفعت إلى 826 في عام 2001 ، 1684 في 2002، 1228 في 2003، 1800 في 2004 و2095 في 2005.

ويرجع الرواشدة الارتفاع المضطرد في أعداد المتسولين إلى عملية "التجنيد المستمر" لهم من قبل أقاربهم وأقرانهم وأصدقائهم حيث تزداد "تكاليف الحياة وتزداد المغريات المادية."


ويقول:" نلاحظ ان المتسولات مثلا يركبن سيارات الأجرة ويحملن أجهزة خلوية باهظة الثمن. وتجدد الكثيرات منهن جهازهن الخلوي كل شهر واشترت العديدات منهن سيارات خاصة بهن."
ونظرا للظروف السياسية التي دفعت بالعديد من حملة الجنسيات العربية إلى النزوح إلى الأردن وخاصة العراقيين وازدياد نشاط القطاع السياحي فان المتسولين وجدوا في التسول عملا مربحا ومدرا للدخل أغرى الكثيرين منهم لامتهان الاستجداء وتشغيل أولادهم كشحاذين رغبة في دنانير تدخل جيوبهم بسرعة وتوفر لهم مستوى معيشيا مترفا.

In a box

يورد الرواشدة في تقرير له عن آفة التسول قصصا طريفة نذكر هنا بعضها:

· القي القبض على أحد المتسولين هائما على وجهه ويحمل كيسا كبيرا يحتوي على كافة أمتعته ينام ويصحو معها. وعند تفتيش محتويات الكيس تبين انه يحتوي على 1656 دينارا.
· تم القبض على متسولتين في عمان وهما تتظاهران أنهما مقعدتان ويستخدمن كرسيين خاصين بالمقعدين. وعند ايداعهما في مركز التأهيل تبين أنهما في حالة صحية جيدة، أنهما غير معاقتين وأنهما من أصحاب السوابق.
· تم القبض على مجموعة من المتسولات يقصدن أماكن ذبح الأضاحي في عمان أثناء أيام عيد الأضحى وهن يقمن بالتسول وطلب قطع لحمة من كل صاحب أضحية. وتجمع الواحدة منهن ما يزيد عن وزن أضحية كاملة ثم تقوم ببيعه للقصابين بأقل من السعر العادي وتجمع أكثر من 70 دينارا عبر ذلك.
· تعهد احد المتسولين ان يترك التسول بعد ان ينتهي من تشطيب منزل كان يمول بناءه عبر مهنته كمتسول.
· ضبط بحوزة احد المتسولين دفتر حساب بنكي تشيرا آخر حركة منه انه يمتلك اثنين وأربعين ألف دينار.

In a box
تنص المادة (389) على أن من وجد يقود ولدا دون السادسة عشرة من عمره للتسول وجمع الصدقات أو يشجعه على ذلك يعاقب في المرة الأولى بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو ان تقرر المحكمة إحالته على أية مؤسسة معينه من قبل وزير الشؤون الاجتماعية للعناية بالمتسولين لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات.

2 comments:

Anonymous said...

the government is so busy becoming richer... they have no time to work on real issues

Anonymous said...

The people beg, and the government does it as well but on a larger scale. Once we develop dignity, and be independent, we will expect such behavior to disappear